وبعد مقتل عمر رضي الله عنه أوكل أمير المؤمنين ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى الصحابي الجليل زيد بن ثابت ومعه بعض الصحابة مهمة مراجعة الرقاع الموجودة لدى حفصة رضي الله عنها ومقارنتها بما هو لدى الآخرين، وهكذا جمع القرآن بين دفَّتيه وسمي المصحف العثماني نسبة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه. يقول المفكر البريطاني روم لاندو: ((كلف كاتب الوحي زيد بن ثابت بجمع الآيات القرآنية في شكل كتاب وكان أبو بكر قد أشرف على هذه المهمة، وفيما بعد إثر جهد مستأنف بُذل من قبل الخليفة عثمان بن عفان اتخذ القرآن شكله التشريعي النهائي الذي وصل إلينا سليماً لم يطرأ عليه أي تحريف))(١).
وبالنظر إلى عموم ما أورده كاتب المقال في هذا الجانب ففيه كثير من صحة المرويات التاريخية عن أسباب جمع القرآن الكريم وأحداثه، إلا أن الكاتب دسَّ السمَّ في العسل أو الدسم بما أورده من بعض الفرى وأهمها:
١- الإيحاء بأن مصادر جمع القرآن كانت من ذاكرة الحفاظ. وهذا أمر يعتريه شيء من الخلل في الحفظ مما يجعل القرآن عرضة للزيادة والنقص، ولهذا فإنَّ تلك المصادر قد لا تكون دقيقة وموثوقاً بها.
٢- القول بأن مرحلة جمع القرآن النهائية من مصادر متعددة ومقارنتها بأصول الرقاع المحفوظة لدى أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها قد تُفْضي إلى خلل في حقيقة النص الأصلي، ولاسيما أن نسخاً متعددة للقرآن الكريم ظهرت في بعض مقاطعات الدولة الإسلامية بعد جَمْعه.

(١) روم لاندو، الإسلام والعرب، ترجمة منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٧٧م، ص٢٩٦.


الصفحة التالية
Icon