إن الادِّعاء بما يمكن أن لحق نصَّ القرآن الكريم من نقص أو زيادة في فترة جمعه ادعاء باطل. ولعلَّ ما قاله بعض المنصفين من مفكري الغرب فيه غنية عن كثرة البيان، فهذا المستشرق الأمريكي واشنجتون إيرفنج يقول: ((كانت التوراة في يوم ما مرشد الإنسان وأساس سلوكه، حتى إذا ظهر المسيح اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل، ثم حلَّ القرآن مكانهما فقد كان أكثر شمولاً وتفصيلاً من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل))(١). وهذا يدحض الفرية القائلة بأن القرآن فيه زيادة أو نقص، وهل ثمة كتاب اتسم بالشمول والوضوح بل وفيه بيان لما أدخل على ما سبقه من كتب يمكن أن يعتريه النقص أو الزيادة؟ وكلام هذا المفكر فيه الحق، وهو من غير المسلمين، بل ويؤكد الفرنسي بلاشير ما ذهب إليه إيرفنج المستشرق فقال: ((إن الفضل بعد الله يعود إلى الخليفة عثمان بن عفان لإسهامه قبل سنة ٦٥٥ ه في إبعاد المخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن، وإليه وحده يدين المسلمون بفضل تثبيت نص كتابهم المنَزَّل))(٢).
وكاتب موضوع القرآن الكريم في دائرة المعارف البريطانية بإثارة هذه الشبهات يريد أن ينتصر لليهود والنصارى فقد ذكر في ثنايا مقاله أن عداوة اليهود للمسلمين قوبلت من المسلمين باتهام اليهود بتحريف كلمات الله وكتبه، ثم ليوهم المرجفين والمبطلين والمنافقين بأن القرآن الكريم اعتراه التحريف والتبديل والزيادة والنقص في مراحل جمعه بسبب عدم دقة وصدق الأصول والمصادر التي جمع منها القرآن الكريم (٣).
(٢) ريجيس بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ج٢، ص٢٢.
(٣) المرجع السابق، ج٤، ص٣٤٣.