وكانت الرسالات الأخيرة فى بنى إسرائيل بعد هلاك العرب العاربة، ورفضهم لرسالات هود وصالح وشعيب وغيرهم.. ثم عادت رسالة السماء إلى العرب مرة أخرى وفى ذلك يقول الله تعالى: " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون". فهل يعرف العرب وظيفتهم العالمية بعد نزول القرآن الكريم. والحساب الإلهى على الجهد البشرى المبذول فلا جبر ولا قسر " ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون". ولكن البشر مجادلون بطبعهم، يسيئون الفعل ثم يتملصون منه بزعم أن الله شاء ذلك وساقهم إليه وهذا كذب: " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون".. وقبل ذلك بين سبحانه أن من قبل الإيمان شرح الله به صدره ويكمل هدايته، وإلا ضيق عليه الآفاق وتركه فى شر حال. والآية الدالة على هذا مفتاح فهمها فى الجملة الأخيرة منها " كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون". فمن رفض الإيمان لم يشرح الله له صدرا، ولم يسق له هديا، وإنما يشرح صدر من انقاد للدعوة وتهيأ لإجابتها.. وقد شاء العزيز الغنى أن يصوغ العبارة على هذا النحو حتى يقف الناس عند حدود العبودية الفقيرة فقال " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء". فليس المراد أن المشيئة العليا سابقة على الإيمان أو الكفر، وإلا ما قال بعد ذلك "كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون". إن كل امرئ سيوقف للحساب ويقال له " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " فهل يقال ذلك لمغلوب على أمره؟. ص _١٠٦


الصفحة التالية
Icon