تهبط عليهم... ص _١١٠
أما القضية الثانية التى افتتحت بها السورة فهى تدرك من قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون * فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين". وهلاك القرى التى تمردت على المرسلين سنة وعاها التاريخ. وقد فصلت سورة الأعراف ما وقع لعاد وثمود ومدين، وقوم نوح وقوم لوط.. ويظهر أن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء الأولين لعرب الجزيرة شمالا وجنوبا، فلما كفر أولئك العرب وآذوا رسلهم دمر الله عليهم وأباد خضراءهم. ثم آتى موسى الكتاب ليهدى به مصر، وبنى إسرائيل، وشرح مواقف الفراعنة واليهود شرحا واسعا. فلما زاغوا عن الصراط ورفضوا هدايات الله أوقع بهم بطشه. ثم عاد الوحى الخاتم مرة أخرى إلى وسط الجزيرة، واستطاع محمد بفضل الله أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يجعل من العرب الذين اهتدوا به أمة وسطا ورثت الوحى إلى قيام الساعة ولا زال وحيها مصونا وكتابها قائما. وسيبقى البشر ما بقيت الحياة الدنيا مكلفين بسماع هذا الكتاب والاقتباس منه لأنه وحده الذى يقيهم السيئات. والمهم أن يقدر العرب رسالتهم، وأن يعرفوا نفاسة الميراث الذى اختصهم الله به عندما قال: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا... ". وأن يوقنوا بأنهم مساءلون عن موقفهم منه " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ". وبين الله سبحانه فى صدر السورة أن الحساب الجامع سوف يبت فى مصير كل إنسان، " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ". لكن هذا البيان الموجز أعقبه بعد قليل تفصيل كاشف عن مصاير الطوائف المختلفة التى اختصمت فى ربها على صعيد الأرض. ص _١١١