فهناك أولا المؤمنون، ثم أصحاب الأعراف ثم الكافرون. وقد جرى حوار بين هؤلاء وأولئك نرى أن نتوقف قليلا عنده. إن أهل الجنة يحيون فى عالم من السماحة والحب والسلام، مشغولون بشيء واحد هو تسبيح الله وتحميده، وهم يشعرون بما أسدى الله إليهم من نعماء ويقولون "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". إنهم ـ بإزاء ما رأوا من فضل ـ يجردون أنفسهم من كل استحقاق، ويشعرون كأن العطاء الأعلى هو الذى سبق بهم وأنا لهم تلك المكانة. وهنا يذكرهم الله بسعيهم القديم وجهدهم المقبول " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " وعندما ما يطمئنون إلى أحوالهم يتذكرون خصوم الأمس من الجبابرة والملاحدة فيحبون أن يعرفوا ما لاقوا " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ". إن هؤلاء الظلمة كانوا ينكرون البعث والجزاء، وكانوا يبطشون بالمستضعفين من المؤمنين، وكانوا يشوهون معالم الحق ويغلقون طرقه، فها هم أولاء يجدون مصيرهم العدل.. واختصت هذه السورة بذكر أصحاب الأعراف، ومنهم أخذت اسمها. والشائع بين المفسرين أن هؤلاء قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فانتظروا حتى يبت الله فى أمرهم! وأرى أن أصحاب الأعراف هم الدعاة والشهداء الذين بلغوا رسالات الأنبياء وقادوا الأمم إلى الخير!! فإن الأعراف هى القمم الرفيعة، ومنها سُمِّى عرف الديك عرفا... وهم فى الآخرة يرقبون الجماهير والرؤساء فى ساحة الحساب، ويلقون بالتحية أهل الجنة، وبالشماتة أهل النار. وحديث القرآن الكريم عنهم يرجح هذا الفهم فهم يتكلمون بثقة ويوبخون المذنبين على ما اقترفوا ويستعيذون بالله من مصيرهم.. ص _١١٢


الصفحة التالية
Icon