والمحزن أن عالمنا المعاصر مفتون بإنسانية هابطة آو علمانية تشده إلى التراب. وتربطه بنزعاته وقلما ترفعه إلى السماء، من حيث جاء. فلنتدبر هذه النداءات الأربعة: أولها يتصل بالملابس! لقد انفرد الإنسان دون سائر الحيوان بارتداء ثيابه، وحسنا فعل فهى تستر عورته وتزين هيئته.. وللناس فى ملابسهم تجاوزات: فقد يختالون فيها ويستكبرون. وقد يزنون أنفسهم بقيمة ما يرتدون. وقد تقصر النساء ثيابها حتى لتكاد تكشف سؤاتها! وقد تضيقها وترققها حتى لتكاد تصف وتشف! وهذا كله لا يسوغ فإن شرف الإنسان ليس فى ثوبه، وقيمته ليست فيما يرتديه. هناك ثوب آخر يكسو باطنه، ويبرز حقيقته هو ما سماه القرآن بلباس التقوى، وما عناه الشاعر بقوله: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل.! وقال شاعر آخر: لأن أزجى عند العرى بالخلق واكتفى من يسير الزاد بالعلق خير وأكرم لى من أن أرى مننا معقودة للئام الناس فى عنقى يعنى أفضل لبس خلقات بالية وأكل لقيمات تافهة على أن أمد يدى إلى أحد لألبس الغالى "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون". ونحن فى تفسيرنا نربط بين هذا التذكر، وبين قول الله أول السورة " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون". وقوله بعد ذلك " وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون". ما أكثر أسباب التذكر ولكن الإنسان ينسى! ويتكرر النداء " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة...." لا ينبغى أن يقع للأبناء ما وقع للأب من قبل! ص _١١٥