فى سورة البقرة حديث طويل عن قضايا الأسرة، ولما كانت السورة فى أوائل المصحف الشريف، فقد يظن أنها أول ما قيل فى هذا الموضوع! وهذا خطأ فإن نحو ثلثى القرآن الكريم نزل قبل هذه السورة المباركة، وتضمن تمهيدات لابد من استصحابها عند التأمل فى أحكام الأسرة هنا. من ذلك المساواة الإنسانية بين نوعى الذكر والأنثى، التى وردت فى سورة النحل " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ". ومن الطريف أن هذا الحكم قرره مؤمن آل فرعون وهو ينصح جبابرة عصره " من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ". وجاء فى سورة الروم عند الحديث عن آيات الله فى ملكوته " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " وأكد ذلك فى سورة النحل وهو يسرد نعم الله على عباده " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة". إن فهم وضع المرأة، ومكانة الأسرة سبق الحديث عنهما، فلا غرابة فى أن تحتوى سورة البقرة تفاصيل لما قد يقع من نزاع، أو يجد من أحداث ينبغى تعرف حكم الله فيها.. ، لا غرابة إذن فى ذكر الإيلاء، والطلاق، والخلع والولادة والرضاع.. إلخ. وشرائع الأسرة يستحيل أن تنجح بعيدا عن ضوابط الخلق والإيمان والتقوى، وقد لفتت النظر إلى أن المسلم قد يراجع نفسه بعد الطلاق، فلا يمضى فى طريق البت وقطع الحبال، بل يجب أن يعمل عقله، جاء ذلك، فى ثمانية توجيهات، تلاحقت فى أثناء تقرير هذا الحكم المهم، وقد جاءت كلها فى أعقاب قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن (١) فأمسكوهن بمعروف (٢) أو سرحوهن بمعروف (٣) ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا (٤) ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه (٥) ولا تتخذوا آيات الله هزوا (٦) واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به (٧)