"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا..." ولا تناقض بين عناصر الإيمان، ولا بين ما نزل على محمد وما نزل على أخويه السابقين موسى وعيسى. إن التناقض يقع بين وحى الله وأكاذيب البشر. والإيمان ـ كما يوضحه القرآن ـ : إيمان بما أنزل إلينا، وبما أنزل من قبلنا.. وعلى المخالفين أن يثوبوا إلى رشدهم.. وأهل الكتاب صنفان: اليهود والنصارى، ولم يقع حوار ساخن بين المسلمين والنصارى داخل المدينة، وإنما حمى الخصام بين المسلمين واليهود الذين كونوا مستوطنات لهم فى المدينة نفسها، وشمالى الحجاز، والذين تصدوا للإسلام يكذبون الله ورسوله ويهاجمون وحيه، ويؤلبون عليه عبدة الأصنام فى شتى الأرجاء.. وقد أغراهم بالهجوم أنهم جمعوا مالا وعتادا، وقامت لهم ثروات وحصون، وذاك سر تكرار التنديد بمصادر قوتهم خلال هذه السورة الكريمة: " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار ". " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ". " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ". وأخيرا قوله تعالى: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ". والواقع أن الغنى المفرط ونسيان الله قد يطيشان بالأفراد والجماعات.. واليهود فى مستعمراتهم الأولى بالحجاز بلغوا شأوا من الرقى العمرانى والاقتصادى لم يبلغه عرب الجزيرة الأصلاء! فهل سخروا شيئا من هذا فى دعم الحق والشرف ومحاربة الفسوق والعصيان؟ كلا، ربما كان المجتمع الجاهلى الوثنى أرقى منهم خلقا، وخيرا مسلكا.. ص _٠٢٩


الصفحة التالية
Icon