القهار. ص _٠٣٨
قبل أن يبلغ الحديث عن أهل الكتاب نهايته، شرعت السورة فى الكلام عن معركة أحد، وهى معركة انهزم فيها المسلمون هزيمة موجعة، وأصابتهم فيها خسائر فادحة..! والمعركة مع عبدة الأوثان الذين سبقوا أهل الكتاب فى مخاصمة الإسلام، ومطاردة أتباعه، وقد لاحظنا أن المسلمين قلما قابلوا أعداءهم فى جبهة واحدة! كانوا على امتداد تاريخهم حتى هذا اليوم يقاتلون فى جبهتين!! ويبدأ الكلام عند قوله تعالى لنبيه: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم" إلا أن السياق ينقطع فجأة ويبدأ حديث عن تحريم الربا، وعن الإنفاق فى السراء والضراء، وعن الإسراع إلى التوبة بعد مقارفة ذنب ما. ثم يتصل الكلام بعد ذلك تعليقا مسهبا عن نتائج المعركة، يمتد حتى آخر السورة!. ونتساءل: ما السر فى هذا الاعتراض؟ والذى يبدو أن الهدف إصلاح الجبهة الداخلية وتطهيرها من كل انحراف حتى تكون أهلا للنصر، فالمعارك الدينية ليست انتصارا لأشخاص قدر ما هى انتصار لمبادئ طاهرة، ومسالك قويمة.. وتبتعد قصة الخصومات الشخصية تماما عن جو الحروب الدينية عندما يقول الله لنبيه: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". من يدرى قد يكون خصوم الأمس واليوم أصدقاء المستقبل إذا اصطلحوا مع الله ودخلوا فى دينه؟ إن الحب والبغض لله وحده. وليست بينكم وبين أحد ثارات خاصة أو عداوات شخصية! ولهزيمة أحد حكمة واضحة، فإن نصر بدر فتح الطريق أمام المغامرين وطلاب المصلحة كى ينتموا للدين الجديد، فظاهر أن المستقبل له! ألم يقل كبير المنافقين عبد الله بن أبى بعد النصر المفاجئ فى بدر: هذا أمر قد توجه!! ورأى أن ينضم بأتباعه إلى المسلمين؟. لذلك يقول الله تعالى: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب.. ". لابد من هزيمة تكشف العدو من الصديق، وتفرز طلاب المنافع