والقرآن الكريم يربى المسلمين على ضوء ما وقع فى العصور الخوالى، ويشرع لهم من الأحكام ما يجنبهم مزالق الأمم الأولى، ومن ثم فقد ذكر بعد هذه القصة حكم المفسدين فى الأرض المعتدين على الأنفس والأموال. ص _٠٧٨
فشرع عقوبة قطع الطريق، وعقوبة السرقة، وبين التشريعين نبه إلى ضرورة تقوى الله. ان ابن آدم الفاشل إنما ضاع لفراغ قلبه من التقوى، فعلى أهل الإيمان أن يتجنبوا ذلك المصير " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون" والوسيلة المطلوبة هى الأعمال الصالحة، والعمل الصالح يحتاج فى أدائه إلى عزيمة تقهر العقبات، وتسترخص النفس والنفيس، وهذا هو الجهاد المؤدى إلى الفلاح. * * * * والوحى الإلهى هو المصدر الفريد لشرائع العبادات، وشرائع المواريث، وشرائع الحدود والقصاص، ولا مكان هنالك لرأى أو قياس أو مصلحة. وأهل الأديان المتعاقبة يتوارثون هذه الحقيقة، ولكنهم يحيدون عنها أحيانا لغلبة الأهواء، وضعف مبدأ السمع والطاعة!! إن الجرائم التى تقع على الدماء، والأموال والأعراض خطيرة الآثار، ولذلك تولى الله سبحانه الحكم فيها، ولم يتركها لاجتهاد أحد، لأن الناس سوف يتساهلون فى التطبيق الواجب، ويحتالون باختلاق بدائل لا تسمن ولا تغنى من جوع... والبشر عندما يسنون قانونا يتصورون أنفسهم مكان الجانى فتخف حدتهم، وتذهب غيرتهم على الحق، فإن لم يضعوا أنفسهم مكان الجانى وضعوا أولادهم وأقاربهم، فكانوا أميل إلى تخفيف العقوبة والرحمة بالمجرمين! وربما كان للأوضاع الاجتماعية أثرها فى مؤاخذة الضعيف ومسامحة الشريف! وقد شاع ذلك فى أهل الكتاب الأولين، قال رسول الله ﷺ " إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد! وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".. وقد تطورت الأمور بين أهل الكتاب فأهمل حكم القطع وتنوسى


الصفحة التالية
Icon