يصحح الأخطاء، ويبعد الدخيل وينصف الحقيقة " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.. ". هناك أمران تضمنتهما هذه الآية، الأول أن الدين اكتمل فى رسالة محمد عقيدة وشريعة. فأما من ناحية الاعتقاد فقد اتضح على خير وجه معنى التوحيد والجزاء والعبادة، والرسول فى هذا كله مؤكد لمن سبقوه، ومصحح لأغلاط الأتباع " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ". وأما الشريعة فإن أصولها نزلت من عند الله ثم تفرع منها بعد ما دل عليه القياس والاستصلاح والاستحسان وغير ذلك من قواعد الفقه العملى الكافل لمنافع الناس. والدين واحد، ولكن الشرائع تختلف وهنا يجئ الأمر الثانى. وأساسه أن رسالة محمد تضمنت أسباب بقائها إلى آخر الدهر، فهى موائمة لطبائع البشر عامة، متجاوبة مع نداء الفطر السليمة، وصبغتها الإنسانية العامة واضحة فى سائر تعاليمها.. أما تراث أهل الكتاب السابقين فهو يشبه دواء حددت صلاحيته بمدة معينة لا يصلح بعدها للاستشفاء، بل قد يكون سببا فى مضاعفة الآلام بعد انتهاء تاريخه ويذكر صاحب المنار أن اليهودية قائمة على الشدة فى تربية قوم ألفوا العبودية والذل وفقدوا الاستقلال والرأى فهى مادية جثمانية صارمة تعالج شعبا غليظ الرقبة متحجر الطباع. وقارئ الأسفار الخمسة يعيش فى جو من البداوة والضيق.. أما المسيحية فهى لم تنقض النواميس الأولى، وإنما نزعت إلى ترقيق العواطف، ومنع الصدام مع الرومان الحاكمين، وقبول سلطتهم العاتية على أساس. " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر!! ". ثم ما لبثت قليلا حتى تحولت إلى صليبية شديدة البأس والخصام، لا تقبل سلاما من مهزوم. أما الإسلام فأفق آخر زاوج بين الروح والجسد والقلب والعقل والدنيا والآخرة. وأكبر الإنسان وأعلى رسالته، وأقام علاقته


الصفحة التالية
Icon