ويكثر فى هذه السورة التحدث عن الله بضمير الغائب، واسم الموصول المفرد مثل " وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.. "، " وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع... ". والحق أن ضمير الغيبة هنا يجعل المستمع فى حالة حضور، كأن الله يخاطبه! ويضع يده على مظاهر عظمته فلا يملك، إلا الإذعان. ولا تحسبن هذا الأسلوب يؤثر فى المشركين وحدهم، كلا.. إن أهل الكتاب يرون فيه جديدا من المعرفة الحية لا يرونها فى كتبهم مما يترك فى سرائرهم أعظم الآثار!! إنه لم ينزل كتاب من السماء يتحدث عن الله بمثل هذه اللهجة من الصدق، وهذه الدقة من الوعى. فهو يخلع الناس خلعا عن التقاليد التى ألفوها، ويصدع الغفلات التى سادت بينهم.!! وإلى جانب التقريرات التى ذكرنا نماذج لها نجد التلقينات المتتابعة فى هذه السورة، والتى يقول الله فيها لنبيه وهو يجادل المشركين: قل لهم كذا قل لهم كذا. ربما تكرر هل اللفظ مرتين فى آية واحدة " قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه.. ". وربما تكرر أربع مرات فى آية واحدة مثل " قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون". أرأيت هذا الحوار النابض بالحق واليقين؟. أرأيت كلمة قل يسعف الله بها نبيه ليرد على مخالفيه؟. لقد تكررت هذه الكلمة فى سورة الأنعام أربعا وأربعين مرة..!! وظاهر أن السورة الكريمة نزلت فى ذروة المعركة المحتدمة بين الحق والباطل. والمشهور من أقوال العلماء أنها نزلت- على طولها- جملة واحدة. وقد رويت أقوال بأن آيات منها نزلت فى المدينة المنورة، بعضها باطل، وبعضها ضعيف. وعلتها أن بعض القراء يحسب أن كل ما يتصل بأهل الكتاب لا علاقة له بمكة!! وهذا خطأ. ص _٠٩٣


الصفحة التالية
Icon