ثم بين الله أن رؤية الملك مستحيلة على البشر، فإن أبصار الناس ترى أجساما معينة على مسافات معينة ومن هنا فهى لا ترى الجن ولا الملائكة. وعندما يتشكل هؤلاء وأولئك فى صور مادية فسوف تبقى الريبة لدى رؤيتهم. ولذلك قال: " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون"!. على أن مشركى العرب قاوموا الإسلام، وكذبوا رسوله، وسخروا منه، ولم يتحركوا عن موقفهم، فكانت وصاة الله لنبيه أن يصبر، ويبقى على منهجه فى الدعوة يحاول تحريك العقول الجامدة. " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون". ولكن النبى عليه الصلاة والسلام خامره الحزن وأثر فيه! إن الرجل الشريف يؤلمه التكذيب والاستهزاء، وطالما تاق إلى تدخل سماوى يحسم الموقف!! وهنا يقول الله له: " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون " إن جريمتهم فى جنب من أرسلك أكبر من تكذيبهم لك، إن محاربتهم لك ترجمة لمحاربتهم لربك وجحدهم لآياته، فاصبر على ما يقولون " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين". ولكن نفس النبى تتوق إلى خارق يخرس ألسنتهم فكان الرد الأعلى " وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية "... أى فافعل، ولن تستطيع فإن الأمر بيد الله الذى يملك مقادير الأمم، وإليه يرجع الأمر كله، " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين". أحسب أشد الناس حمقا من يرتاب فى أن القرآن من السماء، وأنه نزل على محمد ولا دخل لمحمد فيه. إن الله يحكم عباده بسنن ثابتة لا يغيرها أحد، أنبياؤه مبتلون بأعباء الدعوة، ومعاناة الجماهير التائهة، ومحاربة الأعراف والتقاليد السيئة. وللجماهير فى غياب الحرية العقلية أمد محدود عند الله تسرح فيه وتمرح حتى إذا استوفت الأجل