واقرأ بتأمل هذه الآية " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " إن الغيوب بالنسبة إلينا عماء، وهى عند رب العالمين رؤية شهود. وأغلب الموجودات بالنسبة إلينا غيوب محجوبة! إنك قد ترى إنسانا وتحادثه، ماذا تعلم عنه؟ قد ترى وجهه وملابسه ولكنك لا ترى أفكاره وأحشاءه. أما رب العالمين فهو يراه ظاهرا وباطنا على سواء، وهو فى الوقت نفسه يرى خمسة مليارات من البشر معه رؤية شمول! بل إن هذه الرؤية الموقوتة!جزء ضئيل من رؤيته الإنسان فى أطوار حياته كلها بين المهد واللحد " إنه بكل شئ بصير". مفاتيح الغيوب كلها عنده، وكما يعلم البشر على هذا النحو المحيط يعلم ما فى البر والبحر! كنت أرمق التلفاز فى بيتي فرأيت منظرا فى أحد المحيطات، والموج ثائر يلعب بباخرة جبارة يكاد يوردها الأعماق. قلت: إن الله هنا وهناك يسمع ويرى! يسمع ويرى فقط؟ بل يصنع ويدبر ويحيى ويميت! كل ما فى البر والبحر طوع مشيئته. ومضيت مع الآية الوصافة لأمجاد الله! من مع الحبة فى ظلمة التراب يخلق منها الزروع والثمار، ويطعمنا الجنى الطيب؟. من مع كل شجرة نابتة فى أقطار الأرض يعلم عدد ما يسقط منها من ورق "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " إنه ليس علما نظريا فقط، إنه مسطور فى كتبه " وكل صغير وكبير مستطر" وبعد هذا الإحصاء الكشاف يجئ عرض للحياة الإنسانية على ظهر الأرض، وأعمال الناس كلهم بين شقئ وسعيد وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى.. " إننا نستغرق فى النوم بعد كدح النهار، وأرواحنا على الحالين بيده يأخذها ثم يردها حتى نستوفى الأجل المكتوب لنا فى هذه الدنيا. ص _٠٩٩