فإذا استوفيناه أخذ أرواحنا فلم يردها ثانية، لقد حان وقت الجزاء على ما قدمنا "ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون " واقرأ بعد ذلك آية من آيات الجلال، تعقبها آية من آيات الجمال. أما الأولى فقوله " وهو القاهر فوق عباده... " إننا مسيرون فى أغلب ما نعانى ونسعى. لا خيرة لنا فى مكان الميلاد ولا زمانه. لا خيرة لنا فى قيمة المواهب التى نزود بها ولا خط الحياة التى نسلكها! حتى الأنبياء فيهم شموس، وفيهم أقمار متفاوتة الأحجام. بيد أن كل امرئ محاسب على قدر ما أوتى، مُساءل فى حدود وضعه "حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين". أما آية الجمال التى تعقب هذا السرد المخوف الحاسم فهى "قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون" إن الأسلوب القرآنى يقلب بين الرغبة والرهبة والخوف والرجاء حتى لا نطيش أو نطغى. ليت شعرى: ماذا أستفيد من خارق للعادة يقلب الحجر ذهبا!! ماذا يضئ عقلى ويرفع مستواى؟. إن هذه المعجزة القرآنية أجدى وأهدى... ومن أجل ذلك كلف المسلمون باحتقار المجالس اللاغية ضد القرآن الكريم، وعدم الاكتراث لما يدور فيها، وهجرها وهجر أصحابها " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.... " وتكرر الأمر بهذا الهجر فى قوله تعالى بعد ذلك " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا... " إنه يتركهم بعد أن تم تبليغهم. ولا يزال هذا التبليغ قائما، فالإعراض عنهم ترقع عن المشاركة فى اللغو، والخوض فى العبث. وهؤلاء المغرورون الجهال سوف يستيقظون على الدواهى التى تصيبهم بما يصنعون.. ص _١٠٠


الصفحة التالية
Icon