وهنا يجئ تلقين آخر للرسول الكريم، فيه توبيخ للمشركين مقرون بالأسى على مستقبلهم الضائع برغم النصائح الحارة. " قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا... ". انظر صدق العاطفة فى تصوير موقف أولئك الحائرين البائسين وجهد الرسول وصحبه فى هدايتهم، وعنادهم القاتل بعد الإخلاص المبذول فى استنقاذهم... " قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين" ويترك القرآن الكريم هذا الحاضر المعقد، ويعود بالناس قرونا إلى الوراء، فيذكر قصة إبراهيم مع عباد الكواكب، وكيف حاول اقتيادهم إلى الله الواحد! لقد ترخص فى مخاطبتهم وتنزل إلى عقولهم، فنظر إلى نجم ساطع- لعله المشترى أو الزهرة- ثم قال: هذا ربى كما تقولون، لكنه غاب بعد ظهور! ثم نظر إلى القمر قائلا: هذا ربى كما تزعمون! لكنه أيضا اختفى. ثم نظر إلى الشمس قائلا: هذا ربى ـ فى زعمكم ـ هذا أكبر، لكن الشمس غربت وأظلم الكون.. إن الإله لا يغيب عن ملكوته فمن يديره بعده؟؟. إن الأرض التى تسبح بنا فى الفضاء لو غاب عنها ربها لحظة لطغى الماء ـ وهو ثلاثة أرباع مساحتها ـ على اليابسة فلم يبق حى على ظهرها. إن زمام الوجود بين أصابع القدرة لو اضطرب قليلا لهلكت المشارق والمغارب، بل لغاب كل شىء فى ظلمات العدم المحض!! " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ". وليس يتصور فى جانب الإله الحق أنه يأفل، أو يختفى لحظة أو لحظات، إنه قيوم تستند ديمومة الوجود إلى وجوده. إنه القائم على كل نفس بما كسبت، إنه قيم السموات والأرض ومن فيهن... إن أسلوب إبراهيم عليه السلام فى التعريف بالله الواحد نقله القرآن الكريم إلى عرب الجاهلية مختوما بهذه النتيجة " إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين". ص _١٠١


الصفحة التالية
Icon