".. فهذا يقضي أن جبريل ما أخذه إلا عن السفرة. قلت: لا تنافي، لاحتمال أن جبريل -عليه السلام- سمعه من الله سبحانه وتعالى كما تقدم بصفة التجلي فعلمه جميعه ثم أمره الله أن يأخذه من اللوح المحفوظ فيضعه في بيت العزة عند السفرة، ثم أمر الله سبحانه وتعالى السفرة أن تنجمه على جبريل عليه السلام في عشرين ليلة لكل سنة ليلة وإنما كان التنجيم من السفرة على جبريل لما ذكره الحكيم الترمذي: إن سر وضع القرآن في السماء الدنيا ليدخل في حدها لأنه رحمة لأهلها. فأخذ جبريل عن السفرة إشارة إلى أنه صار مخصوصاً بهم فلا يؤخذ إلا عنهم..". (١)
وفي كون جبريل عليه السلام يأخذ القرآن إلى السفرة ثم يأخذه منهم؛ نظر. أي نظر في الصفة لا في الصلة. فإن صلة السفرة بالقرآن ظاهرة من قوله تعالى: ﴿ في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ﴾ (عبس: ١٣-١٦).
الترجيح:
الاتفاق حاصل والإجماع قائم على صفة نزول القرآن الكريم المباشر على الرسول ﷺ وأنه نزل منجماً مفرقاً من بعثته ﷺ إلى قرب وفاته ينزل أحياناً ابتداء بغير سبب وهو أكثر القرآن الكريم وأحياناً أخرى ينزل مرتبطاً بالأحداث والوقائع والأسباب.
وأما نزوله جملة فهو ظاهر القرآن في قوله تعالى: ﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ﴾ وقوله: ﴿ إنا أنزلناه في ليلة مباركة ﴾ وقوله سبحانه: ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ فهو أنزل في ليلة اسمها ليلة القدر، وصفتها أنها مباركة، وشهرها شهر رمضان. وهو صريح الأخبار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.