فعلى هذا الوجه لا إشكال في القول بأن للقرآن تنزلين: نزول جملة، ونزول مفرق، ولا يترتب عليه محذور. وإنما يقع المحذور ويحصل الإشكال في القول بأن جبريل يأخذ القرآن من الكتاب أو من بيت العزة عند نزوله به على الرسول ﷺ من دون سماع من الله تعالى. كما نقل أبو شامة عن الحكيم الترمذي - في معرض حديثه عن حكمة نزول القرآن جملة - قوله: "ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب..". (١)
أو كما قد يفهم من ظاهر بعض الآثار فمثل هذا القول، ومثل هذا الفهم للقول بأن للقرآن تنزلين؛ لا يصح. فهو أولاً لم يرد في تلك النصوص المفسرة والمفصلة لنزول القرآن جملة. وثانياً أنه يلزم منه أن جبريل عليه السلام لم يسمع القرآن من الله عز وجل وأن القرآن نزل من مخلوق لا من الله وهذا باطل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"والنبي ﷺ سمعه من جبريل، وهو الذي نزل عليه به، وجبريل سمعه من الله تعالى، كما نص على ذلك أحمد وغيره من الأئمة. قال تعالى: ﴿ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ﴾ فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس وهو الروح الأمين، وهو جبريل من الله بالحق.." (٢)
وذكر ابن تيمية عن أبي حامد الاسفرائيني قوله: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعاً من الله، والنبي ﷺ سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من رسول الله ﷺ وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا، وفيما بين الدفتين، وما في صدورنا: مسموعاً، ومكتوباً، ومحفوظاً.." (٣)
(٢) الفتاوى (١٢/٢٩٨) باختصار.
(٣) الفتاوى (١٢/٣٠٦).