ومن تمام الترجيح توجيه أدلة القول الآخر أو الرد عليها. فيجاب على أدلة القول الثاني - على سبيل الإيجاز - بما يلي:
١ - أن صفة نزول القرآن المباشر على الرسول ﷺ وكونه نزل عليه مفرقاً، وكونه صريح قوله تعالى: ﴿ وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ﴾ هو محل إجماع ولا خلاف حوله ولا يعارض النزول جملة.
٢ - القول بأن المراد بالآيات الثلاث من سور البقرة، والدخان، والقدر، هو ابتداء النزول؛ هو صرف لها عن ظاهرها بغير صارف ويجعلها تحتاج إلى تقدير محذوف. فقوله تعالى: ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ أي ابتدأنا إنزاله. وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد به بعض أجزائه وأقسامه (١) فقوله تعالى: ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ أي أنزلنا بعضه.
٣ - أن القول بأن المسألة عقدية لا بد لها من أدلة متواترة قطعية الثبوت لإفادة العلم اليقيني ولا يكفي فيها الآثار الموقوفة؛ قول غير مسلم. واستبعاد الاستدلال بأحاديث الآحاد على العقائد غير صحيح فالعبرة بصحة الحديث فمتى صح الحديث احتج به سواء كان آحاداً أم متواتراً وسواء كان في الأحكام أم العقائد. (٢)
وبهذا اتضح أن القول الأول أرجح وأن للقرآن نزول جملة ونزول تفريق يتلخص ذلك بما يلي:
١ - أنه ظاهر الآيات الثلاث في سور البقرة، والدخان، والقدر.
٢ - أنه صريح الآثار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
٣ - عدم معارضته للقول الثاني مع توجيه أدلة هذا القول والرد عليها.
٤ - ضعف الأقوال الأخرى.
٥ - انتفاء المحذور العقدي بالتصريح بسماع جبريل للقرآن من الله عز وجل دون واسطة.
٦ - شهرة القول وكثرة القائلين به، والمصححين له، حتى حكى القرطبي الإجماع عليه.
حكمة نزول القرآن الكريم جملة:
التمست بعض الحكم لنزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا فقيل:
(٢) انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم (٥٢).