وكذا قوله تعالى: ﴿ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ﴾ (يس: ٢٨)؟ففسر الجند هنا بالملائكة. (١)
وأما النوع الثالث، وهو الإنزال المطلق فهو عام لا يختص بنوع خاص من الإنزال. من ذلك قوله سبحانه:
١ - ﴿ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ﴾ (الحديد: ٢٥)؟فقد فسر قوله: ﴿ وأنزلنا ﴾ بجعلنا، وأظهرنا وخلقنا. (٢)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (... وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق لأنه أخرجه من المعادن وعلمهم صنعته. فإن الحديد إنما خلق من المعادن -ثم ربط هذا المعنى بأصل الإنزال لغة فقال -: والمعادن إنما تكون في الجبال فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال لينتفع به بنو آدم) (٣)
وقد تبين لابن تيمية رحمه الله تعالى من استقرائه للآيات أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف وأن هذا هو اللائق بالقرآن الكريم لأنه نزل بلغة العرب. (٤)
وقوله سبحانه: ﴿ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ﴾ (الفتح: ٢٦)
وقوله: ﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ﴾ (الفتح: ٤)
وقوله: ﴿ وأنزل جنوداً لم تروها ﴾ (التوبة: ٢٦)
وغيرها من الآيات، حيث لم يرد فيها تعيين المنزل منه. كما ورد في النوعين قبله، فهو إنزال مطلق يفسر بحسب السياق، أو بما ورد موضحاً له في مواضع أخرى.
الفرق بين الإنزال والتنزيل:
ذهب إلى القول بالفرق بين اللفظتين جمع من اللغويين والمفسرين فهو قول الواحدي، والزمخشري، والراغب الأصفهاني، والسمين الحلبي، وابن الزبير الغرناطي، وغيرهم. (٥)

(١) انظر تفسير الماوردي (٥/١٥).
(٢) انظر تفسير الماوردي (٥/٤٨٣).
(٣) الفتاوى (١٢/٢٥٤)، وانظر (١٢/١١٨).
(٤) انظر: المصدر السابق.
(٥) كالقرطبي في تفسيره (٤/٥)، وابن الجوزي (١/٣٤٩)، وأبي السعود (٢/٤)، وبيان الحق النيسابوري في كتابه وضح البرهان في مشكلات القرآن (١/٢٣٣).


الصفحة التالية
Icon