والقرآن بالاستقراء كان ينزل حسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وصح نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة.
ونزول عشر آيات من أول سورة المؤمنون جملة، كما صح نزول ﴿ غير أولى الضرر ﴾ وحدها وهي بعض آية وكذا قوله ﴿ وإن خفتم عيلة ﴾ إلى آخر الآيات.
ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري (١) عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما نزل أول مانزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لاتشربوا الخمر لقالوا لاندع الخمر أبدا، ولو نزل "لاتزنوا" لقالوا لاندع الزنى أبدا.
اعلم أن القرآن الكريم له وجودات ثلاثة:-
١ - وجوده في اللوح المحفوظ.
٢ - وجوده في السماء الدنيا.
٣ - وجوده في الأرض.
بنزوله على النبي - ﷺ -، ولم يقترن النزول إلا بالوجود الثاني والثالث وقد دل القرآن الكريم أنه كان قبل نزوله في اللوح المحفوظ حيث يقول الله تعالى ﴿ بل هو قرآن مجيد. في لوح محفوظ ﴾ (البروج : ٢١-٢٢).
وهذا اللوح المحفوظ هو الكتاب المكنون الذي قال الله عنه ﴿ إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لايمسه إلا المطهرون. تنزيل من رب العالمين ﴾ (الواقعة: ٧٧-٨٠) والذي عليه جمهور المفسرين أن الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ هو السجل العام الذي كتب الله فيه في الأزل كل ماكان وكل مايكون، والواجب علينا أن نؤمن به وأنه موجود ثابت، أما البحث فيما وراء ذلك فلسنا مطالبين به.