ودل على هاتين الحالتين من الوحي مارواه البخاري في صحيحه (١) بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله ﷺ كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ، فيقصم عَنّي وقد وعيت منه ماقال: وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي مايقول... الخ هذا والقرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام، بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جلياً (٢).
نزول القرآن مفرقا –منجما-
قال تعالى ﴿ وإنه لتنزيل رّب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين ﴾ (الشعراء : ١٩٢-١٩٥). وقال تعالى ﴿ قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين ﴾ (النحل : ١٠٢). ويقول تعالى ﴿ حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين ﴾ (الجاثية ١-٣). وقال تعالى ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ﴾ (البقرة : ٢٣). وقال تعالى ﴿ قل من كان عَدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين ﴾ (البقرة : ٩٧). فهذه الآيات ناطقة بأن القرآن الكريم كلام الله بألفاظه العربية وأن جبريل نزل به على قلب رسول الله - ﷺ - وأن هذا النزول غير النزول الأول إلى السماء الدنيا فالمراد به نزوله منجما، ويدل التعبير بلفظ التنزيل دون الإنزال على أن المقصود النزول على سبيل التدرج والتنجيم فإن علماء اللغة يفرقون بين الإنزال والتنزيل فالتنزيل لما نزل مفرقا، والإنزال أعم (٣).
(٢) المدخل ١/٥٨.
(٣) المفردات للراغب ٧٩٩، مباحث في علوم القرآن ١/١٠٠.