ووجه الدلالة أن الله لم يكذبهم في دعواهم أن الكتب السماوية نزلت جملة واحدة، فلو كان نزول الكتب السماوية مفرقا لما كان هناك مايدعو الكفار إلى التعجب من نزول القرآن مفرقاً منجما، لأن معنى قوله ﴿ لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ﴾ هلاّ أنزل عليه القرآن دفعة واحدة كسائر الكتب، وماله أنزل على التنجيم ولم ينزل مفرقا، بل بيَّن لهم الحكمة من نزول القرآن منجما، ولو كانت الكتب السماوية نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول لهم إن التنجيم سنة الله في الكتب التي أنزلت على الرسل كما أجاب بمثل ذلك في قولهم ﴿ وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ﴾ (الفرقان : ٧). قال في الرد عليهم ﴿ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ﴾ (الفرقان : ٢٠). فبيّن لهم أن ذلك سنن المرسلين والأنبياء (١).
الحكم التي تستفاد من نزول القرآن مفرقاً منجما
هذا ولاشك أن في نزول القرآن منجما -مفرقا- على حسب الوقائع والأحداث حِكَما وأسراراً عظيمة، كيف وذلك التنجيم ممّن أنزل القرآن وهو سبحانه أعلم بما يصلح عبادة ﴿ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ﴾ (الملك : ١٤). يعلم سبحانه المنهج الصالح لتربية الأمّة المنهج الذي يجعلها أمّةً منقادة لأوامر الله، منتهية عن مساخطه.
ونلخص هنا بعض الحكم التي ذكرها العلماء والباحثون في هذا المجال:-
١- الحكمة الأولى تثبيت فؤاد النبي - ﷺ - وتطمين خاطره وقلبه وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه الحكمة في قوله ﴿ كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ﴾ (الفرقان : ٣٢. )ويندرج تحت هذه الحكمة كثير.