فلو نزل القرآن جملة واحدة على هذه الأمة الأمية التي لاتعرف الكتابة ولا التدوين لم يصح لها أن تحفظ القرآن كله بيسر، وكان نزوله مفرقاً أكبر عون لها على حفظه في صدورها وفهمها لآياته.
كلما نزلت الآية فهمها الصحابة، وتدبروا معانيها، وقد كان هذا منهجاً لحفظ القرآن في عهد التابعين.
عن أبي نضرة قال: "كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي، ونجد أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات" أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وعن خالد بن دينار قال: قال لنا أبو العالية تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن النبي - ﷺ - كان يأخذه من جبريل خمساً أخرجه البيهقي" (١).
٣- من الحكم كذلك التدرج في تربية الأمة دينيا وخلقيا واجتماعيا وعقيدة وعلماً وعملا وهذه الحكمة أشار إليها القرآن في قوله ﴿ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس علىمكث ونزلناه تنزيلا ﴾ (الإسراء : ١٠٦)
لقد تدرج القرآن الكريم في انتزاع العقائد الفاسدة والعادات الضارة والمنكرات الماحقة، فقد بعث النبي - ﷺ - إلى قوم يعبدون الأصنام ويشركون بالله، ويسفكون الدماء، ويئدون البنات ويشربون الخمر ويقتلون النفس لأتفه الأسباب، ويفعلون القبائح ومعلوم أن النفس يشق عليها ترك ما ألفته وتعودته مرة واحدة كما يصعب رجوعها وإقلاعها عما اعتقدته بمجرد النهي عنه للعقائد والعادات سلطان على النفوس، والناس أسراء ماألفوا ونشأوا عليه، فلو أن القرآن نزل جملة واحدة، وطالب بالتخلي عما هم منغمسون فيه من الكفر والجهل والمنكرات مرة واحدة لما استجاب إليه أحد.