ولايتوهم أي إنسان أن التوسعة كانت باتباع الهوى، فذلك مالايليق أن يفهمه مسلم فضلاً عن عاقل إذ الروايات الواردة ترده وتبطله ولو كان لكل أحدٍ أن يقرأ بما يتسهل له من غير تلق وسماع من النبي - ﷺ - وأن يبدل ذلك من تلقاء نفسه لذهب إعجاز القرآن ولكان عرضة أن يبدله كل من أراد، ولما تحقق وعد الله سبحانه بحفظه في قوله ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ وكيف يتفق هذا الوهم الباطل مع قول الله عز وجل ﴿ قال الذين لايرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله قل مايكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا مايوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم. قل لو شاء الله ماتلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ﴾ (يونس : ١٥-١٦).
٤ - أن الأمة كانت مخيرة في القراءة بأي حرف منها من غير إلزام بواحد منها فمن قرأ بأي حرف منها فقد أصاب، بدليل قوله - ﷺ - في حديث عمر فاقرأوا ماتيسر منه.
٥ - أن التوسعة على الأمة لم تكن في مبدأ الدعوة فحسب بل كانت بعد الهجرة وبعد أن دخل في الإسلام كثير من القبائل غير قريش فكانت الحاجة ماسة إلى هذا التسهيل وتلك التوسعة: يشهد لهذا حديث مسلم أن النبي كان عند أضاة بني غفار وقد تقدم (١).
٦ - هذه التوسعة مظهر من مظاهر الرحمة والنعمة ولاينبغي أن تكون مصدر اختلاف أو أن تكون مثيرة للشك، أو مضعفة لليقين، فقد حذرهم الرسول صلوات الله عليه من الاختلاف، كما في حديث ابن مسعود، ومن الشك في القرآن كما في حديث عمرو بن العاص "فلا تماروا فيه" وفي رواية لابن جرير الطبري من حديث أبي جهم "فلا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر" (٢).
(٢) تلخيصا من الكتب التالية: المدخل في علوم القرآن، تفسير ابن جرير الطبري مباحث في علوم القرآن، الاتقان في علوم القرآن الكريم، مناهل العرفان.