فالمعول عليه في أسباب النزول هم الصحابة، ومن أخذ عنهم من التابعين ومعرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تختص بالقضايا، وكثير مايجزم بعضهم بالسبب وربما لم يجزم بعضهم بالسبب، وربما لم يجزم بعضهم فقال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، كما قال الزبير في قوله تعالى ﴿ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾ (سورة النساء : ٦٥)، روى الشيخان في صحيحيهما (١) عن عروة بن الزبير عن أبيه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون منها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر، فأبى عليه فاختصما عند رسول الله - ﷺ - فقال رسول الله - ﷺ - للزبير اسق يازبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله - ﷺ - أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - ﷺ - ثم قال للزبير يازبير احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك. ﴿ فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾ فاستوعى رسول الله - ﷺ - للزبير حقه، وكان رسول الله - ﷺ - قبل ذلك قد أشار على الزبير رأيا (٢).
هذا وقول الصحابه في سبب النزول محمول على الرفع كما نص على ذلك أئمة المصطلح لأنه قول فيما لامجال للرأي فيه، وبعيد كل البعد أن يقول الصحابي ذلك مِن تلقاء نفسه فعدالته تمنعه من ذلك، فذلك محمول على السماع أو المشاهدة.
أما قول التابعي: في سبب النزول فله حكم الرفع إلا أنه مرسل، قد يقبل إذا صح السند إليه وكان من أئمة التفسير كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.
(٢) البخاري كتاب التفسير سورة النساء ٢/٣، أسباب النزول للسيوطي ١/١٥.