اعلم أن هذا المبحث لا مجال للعقل فيه، إلا بالترجيح بين الأدلة وجمع المتعارض إن وجد، والمدار فيه على النقل، ولمعرفته فوائد نلخّص منها بعض الفوائد: فيما يلي:
( ١ ) معرفة الناسخ والمنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو أكثر في موضع واحد وحكم إحداهما يغاير الآية الأخرى تغايراً لا يمكن معه الجمع فنلجأ حينئذ إلى معرفة المتقدم فيعلم أنه منسوخ بالمتأخر.
( ٢ ) تاريخ التشريع الإسلامي وذلك مثل ماإذا عرفنا أن الآيات التي فيها الأمر بالصلاة نزلت بمكة قبل الهجرة، وأن الآيات التي فيها الأمر بالزكاة وبالصوم كانت في السنة الثانية للهجرة بالمدينة المنورة، وأن آيات الحج نزلت في السنة السادسة على الراجح كان بالإمكان ترتيبها ترتيبا شرعياً فنقول: أول مافرض الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج.
وكذلك إذا علم أن آية ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ (الحج: ٣٩) نزلت بالمدينة في السنة الثانية علم أن الجهاد فرض في المدينة في السنة الثالثة وهكذا.
( ٣ ) من الفوائد كذلك معرفة التدرج في التشريع ويتوصل به إلى معرفة حكمة الله في أخذ الشعوب بهذه السياسة الحكيمة في الإسلام، وذلك مثل ماإذا عرفنا ترتيب الأيات التي نزلت في شأن الخمر، ومثل ما إذا علمنا أن الآيات الداعية إلى أصول العقائد، نزلت أولاً بمكة، بخلاف الآيات النازلة في الأحكام التشريعية التفصيلية والعملية، فإنها نزلت بالمدينة، فإنه مالم تعرف الأصول ويطمئن إليها، لايسهل الأخذ بالفروع" (١).
[ تنبيه ]