والثاني: ماتواترت الأخبار بصحته وحصوله واستفاضت بثبوته ووجوده ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقاً كثيراً وجمّا غفيراً، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علماً ضرورياً، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب، وهذه صفة نقل القرآن، ونقل وجود النبي - ﷺ - قال القرطبي (١) :"لأن الأمة رضي الله عنها لم تزل تنقل القرآن خلفاً عن سلف والسلف عن سلفه إلى أن يتصل ذلك بالنبي عليه الصلاة والسلام، المعلوم وجوده بالضرورة وصدقه بالأدلة المعجزات، والرسول أخذه عن جبريل عليه السلام عن ربه عز وجل، فنقل القرآن في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهم أهل التواتر الذين لايجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد، ولذلك وقع لنا العلم الضروري بصدقهم فيما نقلوه من وجود محمد - ﷺ -، ومن ظهور القرآن على يديه وتحديه به، فالقرآن معجزة نبينا - ﷺ - الباقية بعده إلى يوم القيامة مع أن معجزة كل نبي انقرضت بانقراضه أو دخلها التبديل كالتوراة والإنجيل، فلما عجزت قريش عن الاتيان بمثله وقالت: إن النبي - ﷺ - تقوله أنزل الله تحدياً لهم قوله ﴿ أم يقولون تقوله بل لايؤمنون. فلْيأْتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ (الطور : ٣٣-٣٤) ثم تحدّاهم وأنزل تعجيزاً أبلغ من ذلك فقال ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات ﴾ (هود: ١٣). فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار إلى مثل سورة من السور القصار فقال جل ذكره ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ﴾ (البقرة : ٢٣).