فمن غلاة أنصار الترجمة من دعا إلى ترجمة القرآن الكريم بنوعيها حرفية ومعنوية، وأجاز الصلاة بالترجمة الحرفية، واستنباط الأحكام منها، وزعم أن مستنبط الأحكام لا يكون مقلداً أيضاً إذا استنبط من الترجمة الحرفية، ويكون مقلداً إذا استنبط من الترجمة المعنوية. بل زعم بعضهم "أن الترجمة وإن كانت غير قرآن باتفاق تحمل معاني كلام الله، ومعاني كلام الله ليست كلام الناس، وعجيب أن تسلب من معاني القرآن صفاتها وجمالها وتوصف بأنها من جنس كلام الناس بمجرد أن تلبس ثوباً آخر غير الثوب العربي كأن هذا الثوب هو كل شيء" (١) !!
ومثل هذا القول ظاهر البطلان لأن وصف الترجمة بأنها ليست من كلام الناس مِنْ لازِمِه أنها من كلام الله، لأنه لا يمكن ألا تكون من كلام الله ولا من كلام الناس، ولا شك أن وصفها بأنها من كلام الله أمر خطير ومغالاة شديدة فتفاسير القرآن الكريم كلها معانٍ له أو تحرٍّ لمعانيه، فهل يصح أن نطلق على هذه التفاسير أنها من كلام الله؟! وفيها ما فيها من أقوال متضادة، وأقوال يبطل بعضها بعضاً؟!حاشا لله(٢).
ومن غلاة معارضي الترجمة مَنْ حرَّم أي نوع من أنواع الترجمة، وسد كلَّ باب للعجم لفهم القرآن إلا باب التعلم للغة العربية.
أما من ذهب إلى حد الاعتدال من الفريقين فليس بينهما خلاف يذكر إلا ما دار حول مسمى الترجمة فسماها أنصار الترجمة "ترجمة القرآن" أو "ترجمة معاني القرآن" وسماها الرافضون للترجمة "تفسير القرآن" أو "ترجمة تفسير القرآن" وجمع آخرون الاسمين معاً "ترجمة معاني تفسير القرآن الكريم"(٣).

(١) بحث في ترجمة القرآن الكريم: محمد مصطفى المراغي، ص٢٢.
(٢) منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير: فهد الرومي، ١/٤٣٨.
(٣) الفكر الديني في مواجهة العصر: عفت الشرقاوي، ١٧٧.


الصفحة التالية
Icon