وصرح بعض معارضي الترجمة كالسيد رشيد رضا بذلك حيث قال :"فهذا ما أقوله الآن في ترجمة القرآن للمسلمين دون تفسيره لهم بلغتهم مع بقائه إماماً لهم، ودون ترجمته لدعوة غيرهم به إلى الإسلام"(١) وقال أيضاً :"إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية متعذرة ويترتب عليه مفاسد كثيرة فهو محظور لا يبيحه الإسلام، وأما الترجمة المعنوية التي هي عبارة عن تفسير ما يحتاج إلى تفسيره منه بلغة أخرى فغير محرم، وإنما تتبع فيه المصلحة الشرعية بقدرها"(٢).
وإذا أمعنت النظر وقلبت الأمور لم تجد تغايراً في الهدف فكلاهما يمنع الصلاة بالترجمة، ويوجب أن ينص فيها على أن هذه الترجمة ليست قرآناً ويبين فيها أن القرآن لا يمكن ترجمته وأن مزاياه الكاملة وإعجازه والتحدي به إنما هو بنصه العربي.
كلاهما يمنع هذا ويبيح أن يترجم إلى اللغات الأعجمية "تفسير القرآن الكريم" أو "معاني القرآن الكريم" أو "معاني تفسير القرآن الكريم" وأن يكون الغرض من الترجمة الاستعانة بها ليفهم الأعجمي النص المقروء بالعربية.
وهذا هو ما نراه الصواب ؛ فإن خصوص لغة القرآن لا تنافي عالميته فالقرآن ليس للعرب خاصة بل هو لإنذارهم ومن بلغ ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [ الأنعام: ١٩].
ولكن وجوب الإنذار به وتبليغه للناس لا يلزم منه بحال من الأحوال الصلاة بالترجمة، فالدعوة بالترجمة شيء والصلاة بها شيء آخر، وكل منهما له حكمه الذي ينفرد به.
فالقرآن دل على وجوب تبليغه للناس ونشره بينهم كافة عرباً وعجماً، وتبليغه للعرب لا يحتاج إلى ترجمة، وإلى العجم لابد من ترجمة معانيه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فوجبت ترجمة معانيه لاستحالة ترجمته حرفياً.

(١) تفسير المنار: محمد رشيد رضا، ٩/٣١١.
(٢) تفسير المنار: محمد رشيد رضا، ٩/٣١١-٣١٢.


الصفحة التالية
Icon