صاحبه الأصلي مع أنه لم ينطق به بهذه اللغة، وكثيراً ما قرأنا في كتبنا العربية أقوالاً باللغة العربية منسوبة لبعض الغربيين وقد ذكرت في صفحة سابقة قول جلادستون :" ما دام هذا القرآن موجوداً... إلخ" مع أنه لم ينطق به بالعربية، وكثيراً ما نسمع في الأخبار عبر وسائل الإعلام أقوالاً منسوبة إلى بعض العجم، وهي بلغتنا العربية، وكثيراً ما ننسب كتباً بأسمائها العربية إلى مؤلفيها من العجم من غير أن نقول هنا أو هناك: قال المترجم.
وأما تفسير النص فلا يمكن أن ينسب إلى صاحب النص الأصلي بل لابد من نسبته إلى المفسر، وكم نقلنا من نص وقلنا هذا تفسير ابن كثير، وهذا تفسير الرازي وهذا تفسير النسفي.
وننتهي بهذا إلى أن الترجمة مغايرة للتفسير كما ننتهي إلى أنه لا يصح أن يسمى نقل القرآن من العربية إلى لغة أعجمية ترجمة لأن القارئ حينئذ سَيُضَمِّن النص المترجم كل المعاني السابقة التي ذكرتها فيعتقد:
استغناءه عن الأصل بهذه الترجمة.
أن الترجمة متضمنة جميع معاني القرآن.
أن جميع المعاني التي أوردها المترجم مرادة لله وهي مدلول كلام لله.
أنه يصح أن ينسب كلام المترجم إلى الله، فيقول على الله تعالى
ما لم يقل.
ولا شك أن هذه محاذير خطيرة ينبغي الاحتراز منها، والحذر من قربها أو ما يؤدي إليها.
ويدفع هذا كله أن يسمى نقل معاني القرآن إلى لغة أخرى تفسيراً له بلغة أجنبية لا ترجمة.
وخلاصة (١) ما نراه في ذلك: أنه كما يباح بإجماع المسلمين كافة تفسير القرآن الكريم وتداوله بين المسلمين، فإنه لا ضير أن يفسِّر القرآنَ عربيٌّ أو يفسره غير عربي متمكن من العربية ومن لغته، ما دام أن ما يقوله لا يتجاوز وصفه بـ"التفسير"، فكما يصح أن يقال: هذا تفسير القرآن باللغة العربية فإنه يجوز أن يقال : وهذا تفسيره بالفارسية، وهذا تفسيره بالإنجليزية، وهذا تفسيره بالفرنسية.

(١) انظر : كتابي منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، ١/٤٤١.


الصفحة التالية
Icon