جرت سنة الله تعالى أن يرسل إلى كل أمة ضلت وانحرفت عن الصراط المستقيم رسولاً منهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وتكون معجزته من جنس ما برع فيه قومه، ولذا كانت معجزة - عيسى عليه السلام - إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله، وهي معجزات من جنس الطب لأن قومه برعوا في الطب، وكانت معجزة موسى - عليه السلام - أن يلقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين، وكان القوم قد برعوا في السحر، وكانوا يلقون حبالهم فيخيل للناظر إليها أنها تسعى.
وحين بعث الرسول - ﷺ - إلى أهل مكة، اقتضت سنة الله تعالى أن تكون معجزته من جنس ما برعوا فيه، وهم قوم لم يبرعوا في طب، ولا سحر ولا صناعة ولا تجارة، وإنما برعوا في الكلام وفنونه، فجاءت المعجزة من جنس ما برعوا فيه، معجزة كلامية بلغتهم، وبلسانهم العربي المبين.
قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ يوسف: ٢]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً ﴾ [ الرعد: ٣٧]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً
عَرَبِيّاً ﴾
[ طه: ١١٣]، ﴿ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [ الزمر: ٢٨]، ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ [ فصلت: ٣]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ [ الشورى: ٧]، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الزخرف: ٣]، ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً ﴾ [ الأحقاف: ١٢]، ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [ الشعراء:
١٩٣- ١٩٥]، ﴿ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [ النحل: ١٠٣].
وقد أقام الله الحجة على القوم، فهم عرب والقرآن نزل بلسانهم العربي، وعجزوا عن الإتيان بمثله.


الصفحة التالية
Icon