ولحكمة عظيمة أخرى أكبر من تلك، جعل الله المعجزة كلامية لتكون معجزة متجددة إلى يوم القيامة، معلنة أن الإعجاز لم -ولن- ينقطع، وأن التحدي لم يزل قائماً؛ لأنه الدين المصطفى المختار للعالم أجمع، حتى تقوم الساعة.
فليس وجه الإعجاز محصوراً بلفظه، وإن كان ذلك هو الأصل، بل أيضاً بمعانيه وعلومه ومعارفه وأخباره الغيبية وتشريعاته وغير ذلك ؛ حيث ينكشف لأهل كل عصر وجه من أوجه إعجاز القرآن، معلناً أن هذا القرآن هو الحجة الظاهرة لخاتم الأنبياء - عليه الصلاة والسلام - على أهل كل عصر وفي كل مكان.
عالمية القرآن والدعوة:
وقد دلت النصوص الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة على عموم دعوة الرسول - ﷺ - وشمولها للناس كافة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ﴾ [ الأعراف: ١٥٨]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء: ١٠٧]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ [ سبأ: ٢٨].
وتبعاً لعموم الرسالة وشمولها جاء الخطاب في القرآن الكريم للناس كافة ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغ ﴾ [ الأنعام: ١٩]، ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ يوسف: ١٠٤]، ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ [ الفرقان: ١].
فهذه الرسالة امتدت زماناً إلى يوم القيامة، وامتدت مكاناً حتى انتظمت آفاق الأمم والبلدان، وامتدت إصلاحاً حتى استوعبت شؤون الدنيا، وامتدت ثمارها حتى شملت الدنيا والآخرة.
وقد امتثل رسول الله - ﷺ - ذلك الأمر الإلهي فبدأ الدعوة في أهل مكة وما حولها، ثم وجه كتبه – عليه الصلاة والسلام – إلى قيصر الروم، وكسرى فارس، ومقوقس مصر، ونجاشي الحبشة، كما وجهها إلى زعماء ورؤساء القبائل في جزيرة العرب.