واستولت الدول الأوروبية (بريطانيا، وهولندا، وإيطاليا، وفرنسا، وأسبانيا وغيرها) على كثير من الدول الإسلامية وتحكموا في ثرواتها وأهلها وغيروا من عاداتهم وتقاليدهم إلا شيئاً واحداً لم يستطيعوه، وهو أن يقتلعوا جذور العقيدة من قلوبهم، وأدركوا أن السر في ذلك هو ذلكم الكتاب القرآن الكريم الذي يسقيها، فخافوا إن تركوه أن يعيد إليها الحياة من جديد فتعود كما كانت، فبذلوا كل ما يستطيعون للقضاء عليه وقد تنادى زعماؤهم بذلك: فهذا جلادستون رئيس وزراء بريطانيا حينذاك يقول :"ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبه السيطرة على الشرق"(١). ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر: "إننا لن ننتصر على
الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية"(٢). ويقول وليم جيفورد -أحد المنصرين-:"متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد
وكتابه" (٣).
إذاً فلا عجب أن يبذلوا كل ما في وسعهم، وأن يسلكوا كل طريق للفصل بين المسلمين والقرآن، وكانت بداية مكرهم فصل المسلمين عن لغة القرآن، فسلكوا كل سبيل إلى ذلك فزرعوا لغتهم ومنعوا الأذان بالعربية في بعض البلدان ومنعوا الكتابة بها، واستبدلوا بالأحرف العربية الأحرف اللاتينية، لكن المسلمين لا يزالون مرتبطين بالعربية يربطهم بها القرآن الكريم، فدعت طائفة منهم إلى ترجمة القرآن الكريم بلغاتهم، ووجوب الصلاة بها، وترك اللغة العربية والصلاة بها، ولكي تلقى دعوتهم القبول، ويمكَّن لها بزعمهم، وضعوا لذلك تعليلات تخدع المنهزمين فكرياً وتزيد المؤمنين إيماناً وثباتاً.
زعموا أن الصلاة بالترجمة تمد المصلي العجمي بالخشوع في الصلاة؛ لأنه يفقه المعاني التي يقرؤها في صلاته، وتكون مناجاته لربه أعمق وأصدق!!

(١) قادة الغرب يقولون: جلال العالم ص٣١.
(٢) المرجع السابق.
(٣) المرجع السابق: ص٤٩.


الصفحة التالية
Icon