وقالوا: إن الدين الإسلامي دين يسر فلا يُشَق على غير العربي بتعلم العربية، وزعموا أن هذا أسرع لانتشار الإسلام بين العجم وأكثر تحبيباً وتزييناً للدين الإسلامي في نفوسهم.
وانخدعت طائفة من المسلمين بما ذهبوا إليه، وابتهجت نفوسهم لهذا الكلام الذي ظاهره الرحمة وباطنه الضلال الشديد.
فنشأت (١) دعوة قوية لهذا الأمر في القرن الماضي في بلاد المسلمين وبخاصة في تركيا وفي مصر والشام، وتصدى لها بعض علماء المسلمين وكانت معركة شديدة وفتنة عظيمة. ثم فترت الدعوة بعد ذلك واقتصر الأمر على مجرد الترجمة وتداولها بين المسلمين، وبطل كيد الكافرين والمشركين بل أصبحت تلك الدعوة خيراً للإسلام والمسلمين، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، وانظر إلى حكمة الله كيف أصبحت تلك الدعوة التي أريد بها فصل المسلمين عن الإسلام سبيلاً من سبل نشر الإسلام ليس بين المسلمين فحسب، بل في الدول الأوربية والأمريكية نفسها.
وجوب التبليغ:
ومما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه يجب على المسلمين أن يبلّغوا الدعوة، وأن يدعوا لهذا الدين كما أمر الرسول - ﷺ - بقوله "بلّغوا عني ولو آية"(٢).
والنصوص في ذلك أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، وتبليغ القرآن إما أن يكون بتعليم العجم لغة العرب، وهذا يحتاج إلى أمد، ويتعذر في كثير من الأحوال وبخاصة عند غير المسلمين، وإما أن يكون بترجمة القرآن لهم وتفهيمهم معانيه.
معنى الترجمة وأقسامها
جاءت كلمة »ترجمة« في العربية لتدل على معان أربعة (٣):
أولها: تبليغ الكلام لمن لم يسمعه ومنه قول الشاعر:

(١) لا أقصد أن الترجمة لم تكن معروفة قبل ذلك، بل هي معلومة من وقت مبكر في الإسلام لكني أردت ما نودي به من الدعوة إلى فصل المسلمين عن القرآن واستقلالهم بالترجمة تلاوة وتعبداً.
(٢) رواه البخاري، ص٥٨٢، ح٣٤٦١، كتاب أحاديث الأنبياء.
(٣) مناهل العرفان: الزرقاني، ٢/٥-٦ (بتصرف).


الصفحة التالية
Icon