نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٧١
و قد اختلف أهل العلم في المقدار الذي عليه يصدق مسمى الجار ويثبت لصاحبه الحق : فروي عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين دارا من كل ناحية، وروي عن الزهري نحوه.
وقيل : من سمع إقامة الصلاة، وقيل : إذا جمعتهما محلة. وقيل : من سمع النداء. والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع، فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور أو من مسافة الأرض كان العمل عليه متعينا، وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة وعرفا.
ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا، ولا ورد في لغة العرب أيضا ما يفيد ذلك، بل المراد بالجار في اللغة : المجاور ويطلق على معان، قال في «القاموس» : الجار المجاور، والذي أجرته من أن يظلم، والمجير والمستجير، الشريك في التجارة، وزوج المرأة، وهي جارته، وفرج المرأة، وما قرب من المنازل، والاست كالجارة، والمقاسم، والحليف، والناصر. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره «١» : وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : إني نزلت محلّة قوم وإن أقربهم إليّ جوارا أشدهم لي أذى! فبعث النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أبا بكر وعمر وعليّا رضي اللّه عنهم يصيحون على أبواب المساجد :«ألا إن أربعين دارا جار، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» «٢». انتهى.
قال الشوكاني : ولو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره، ولكنه رواه - كما ترى - من غير عزوه إلى أحد كتب الحديث المعروفة وهو وإن كان إماما في علم الرواية فلا تقوم الحجة بما يرويه بغير سند مذكور ولا نقل عن كتاب مشهور، ولا سيما وهو يذكر الواهيات كثيرا كما يفعل في «تذكرته» انتهى.
أقول : هذا الحديث بلفظه أخرجه الطبراني كما ذكر في «الترغيب والترهيب» وروى السيوطي في جامعه الصغير :«الجوار أربعون دارا». أخرجه البيهقي عن عائشة.
(٢) [ضعيف جدا] أخرجه الطبراني في الكبير [١٩/ ٧٣] ح [١٤٣] وأبو يعلى في مسنده كما في نصب الراية [٤/ ٤١٤] رواه ابن حبان في الضعفاء [٢/ ١٥٠].
وأخرجه أبو داود في المراسيل ح [٣٥٠].