نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٧٩
و لا يخفاك أنه لا دلالة لهذا الحديث على محل النزاع، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إنما أمره بالوضوء ليأتي بالصلاة التي ذكرها اللّه سبحانه في هذه الآية إذ لا صلاة إلا بوضوء وأيضا فالحديث منقطع لأنه من رواية ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يلقه وإذا عرفت هذا فالأصل البراءة عن هذا الحكم فلا يثبت إلا بدليل خالص عن الشوائب الموجبة لقصوره عن الحجة وأيضا قد ثبت عن عائشة من طرق أنها قالت :«كان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ» «١». وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة.
رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وما قيل من أنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة - ولم يسمع من عروة - فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه ابن جرير من حديث ليث عن عطاء عن عائشة، ورواه أحمد أيضا وأبو داود والنسائي من حديث أبي روق الهمداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة، ورواه أيضا ابن جرير من حديث أم سلمة «٢»، ورواه أيضا من حديث زينب السهمية.
ولفظ حديث أم سلمة :«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يقبلها وهو صائم ولا يفطر ولا يحدث وضوءا». ولفظ حديث زينب السهمية «أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ». ورواه فأحمد عن زينب السهمية عن عائشة.
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً : هذا القيد إن كان راجعا إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط وهو المرض والسفر والمجيء من الغائط وملامسة النساء، كان فيه دليل على أن المرض والسفر لمجردهما لا يسوّغان التيمم، بل لا بد مع وجود أحد السببين من عدم الماء فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد الماء، ولا يجوز للمسافر أن يتيمم إلا إذا لم يجد ماء.
(٢) أخرجه ابن جرير في التفسير [٤/ ١٠٨] ح [٩٦٣٨] ورواه الطبراني في الأوسط كما في المجمع [١/ ٢٤٧].