نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ١٨٠
و لكنه يستشكل على هذا أن الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء [تيمم، وكذلك المقيم كالمسافر إذا لم يجد الماء تيمم ] «١» فلا بد من فائدة في التنصيص على المرض والسفر؟
فقيل : وجه التنصيص عليهما أن المرض «٢» مظنة للعجز عن الوصول إلى الماء، وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب. وإن كان راجعا إلى الصورتين الأخيرتين أعني قوله : أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال وهو أن من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم وإن كان واجدا للماء قادرا على استعماله.
وقد قيل : إنه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبرا في الأوّلين لندرة وقوعه فيهما : وأنت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد.
وقال مالك ومن تابعه : ذكر اللّه المرض والسفر في شرط التيمم اعتبارا بالأغلب فيمن لم يجد الماء، بخلاف الحاضر، فإن الغالب وجوده فلذلك لم ينص اللّه سبحانه عليه. انتهى.
والظاهر أن المرض - بمجرّده - مسوغ للتيمم وإن كان الماء موجودا إذا كان يتضرّر باستعماله في الحال أو في المال، ولا يعتبر خشية التلف فاللّه سبحانه يقول :
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، ويقول : وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، والنبي صلّى اللّه عليه وآله يقول :«الدين يسر» «٣»، ويقول :«يسروا ولا تعسروا» «٤». وقال :
«قتلوه قتلهم اللّه» «٥» ويقول :«أمرت بالشريعة السمحة» «٦». فإذا قلنا إن قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو أنه يجوز له التيمم والماء
(٢) جاء في المطبوع [المريض ] وهو خطأ والتصحيح من فتح القدير [١/ ٤٧١].
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح [١/ ٩٣] ح [٩٣] والنسائي في السنن [٨/ ١٢١ - ١٢٢].
(٤) [متفق عليه ] أخرجه البخاري في الصحيح [١/ ١٦٣] ح [٦٩، ٦١٢٥] ومسلم في الصحيح ح [١٧٣٤].
(٥) [صحيح ] أخرجه الحاكم في المستدرك [١/ ١٦٥] وابن خزيمة في صحيحه [١/ ١٣٨] ح [٢٧٣] وابن حبان في الصحيح [٤/ ١٤٠ - ١٤١] ح [١٣١٤] وابن الجارود في المنتقى ح [١٢٨] والبيهقي في السنن الكبرى [١/ ٢٢٦] أخرجه الدارقطني في السنن [١/ ١٨٩ - ١٩٠ - ١٩١].
(٦) [حسن ] أخرجه أحمد في المسند [٦/ ١١٦ و٢٣٣]، [٥/ ٢٦٦] وأخرجه الديلمي [٢/ ١١٠].