نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٢٠٦
و لا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «١».
ومثله حديث يعلى بن أمية قال :«سألت عمر بن الخطاب، قلت : فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقد أمن الناس؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن ذلك؟ فقال :«صدقة تصدق اللّه بها عليكم، فاقبلوا صدقته».
أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن «٢».
وظاهر قوله :«فاقبلوا صدقته» أن القصر واجب.
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا : ظاهر هذا الشرط أن القصر لا يجوز في السفر إلا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن، ولكنه قد تقرر بالسنة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قصر مع الأمن كما عرفت، فالقصر مع الخوف ثابت بالسنة، ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضة ما تواتر عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من القصر مع الأمن.
وقد قيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الأسفار، ولهذا قال يعلى بن أمية لعمر ما قال كما تقدم.
وفي قراءة أبيّ : أن تقصروا من الصّلاة أن يفتنكم بسقوط إِنْ خِفْتُمْ، والمعنى على هذه القراءة : كراهة أن يفتنكم الذين كفروا.
وذهب جماعة من أهل العلم، إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو، فمن كان آمنا فلا قصر له.
وذهب آخرون إلى أن قوله : إِنْ خِفْتُمْ ليس متصلا بما قبله وأن الكلام تم عند قوله مِنَ الصَّلاةِ، ثم افتتح فقال : إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف.
وانظر : فتح الباري (٢/ ٥٧١).
(٢) صحيح : رواه مسلم (٥/ ١٩٥، ١٩٦)، وأبو داود (١١٩٩، ١٢٠٠)، والترمذي (٣٠٣٤)، والنسائي (٣/ ١١٦، ١١٧)، وابن ماجة (١٠٦٥)، وأحمد (١/ ٢٥)، والدارمي (١/ ٣٥٤).