نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٦٧
ينشأ من فساد عقل مستعملها فيصدر عنه ما يصدر عن فساد العقل من المخاصمة والمشاتمة، وقول الفحش والزور وتعطيل الصلوات، وسائر ما يجب عليه، وأما إثم الميسر : أي إثم تعاطيه فما ينشأ عن ذلك من الفقر وذهاب المال في غير طائل والعداوة وإيحاش الصدور.
وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ : أما منافع الخمر فربح التجارة فيها، وقيل : ما يصدر عنها من الطرب والنشاط وقوة القلب وثبات الجنان وإصلاح المعدة وقوّة الباه وقد أشار شعراء العرب إلى شيء من ذلك وكذا شعراء الفرس بما لا يتسع المقام لبسطه.
ومنافع الميسر : مصير الشيء إلى الإنسان بغير تعب ولا كد وما يحصل من السرور والأريحية عند أن يصير له منها سهم صالح. وسهام الميسر أحد عشر ذكرها في «فتح القدير» «١».
وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أخبر سبحانه بأن الخمر والميسر إن كان فيهما نفع فالإثم الذي يلحق متعاطيها أكثر من هذا النفع لأنه لا خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر، فإنه ينشأ عنه من الشرور ما لا يأتي عليه الحصر، وقد ذكر شطرا منها الحافظ ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح» وذكرته في كتابي الملخص منه المسمى ب «مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام».
وكذلك لا خير في الميسر يساوي ما فيه من المخاطرة بالمال والتعرض للفقر واستجلاب العداوة المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم.
وقرأ حمزة والكسائي بالمثلثة والباقون بالباء الموحدة وأبيّ أقرب.
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي - وصححه - والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم - وصححه - وأيضا في «المختارة» عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالمال والعقل فنزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ يعني هذه الآية فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في سورة النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء : ٤٣] فكان ينادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، إذا قام إلى الصلاة، أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في