نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، ص : ٧٦
و مانعا لما حلفتم عليه، وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك، ثم يمتنع من فعله معللا لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله. وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية فنهاهم اللّه أن يجعلوه عرضة لأيمانهم أي حاجزا لما حلفوا عليه ومانعا منه وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين.
وعلى هذا يكون قوله : أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ عطف بيان لأيمانكم : أي لا تجعلوا اللّه مانعا منه للأيمان التي هي بركم وتقواكم فإصلاحكم بين الناس : ويتعلق قوله : لِأَيْمانِكُمْ بقوله وَلا تَجْعَلُوا، [أي : لا تجعلوا اللّه لأيمانكم مانعا وحاجزا] «١»، ويجوز أن يتعلق بعرضة أي «٢» : لا تجعلوه سببا متعرضا بينكم وبين البرّ وما بعده.
وعلى المعنى الثاني، وهو أن العرضة : الشدة والقوة يكون معنى الآية : لا تجعلوا اليمين باللّه قوة لأنفسكم وعدّة في الامتناع من الخير.
ولا يصلح «٣» تفسير الآية على المعنى الثالث وهو الهمة.
وأما على المعنى الرابع وهو فلان لا يزال عرضة للناس فيكون معنى الآية لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به. ومنه وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ [المائدة : ٨٩] وقد ذمّ اللّه المكثرين للحلف فقال : وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) [القلم : ١٠]. وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان.
وعلى هذا فيكون قوله : أَنْ تَبَرُّوا علة للنهي أي لا تجعلوا اللّه معرضا لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحلف باللّه يجترىء على الحنث ويفجر في يمينه.
وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها وهي مذكورة في «فتح القدير» «٤» وغيره.
(٢) جاء في المطبوع [إلى ] وهو خطأ والتصحيح من فتح القدير [١/ ٢٣٠].
(٣) جاء في فتح القدير [١/ ٢٣٠] [يصح ].
(٤) فتح القدير [١/ ٢٣٠ - ٢٣٢].