وقد يأتي متعلم إلى معلم يطلب نوعاً من العلم وهو غير مؤهل له، فعلى المعلم"أن يعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه"((١))، ويوضح له أن مثل هذا المنع ما هو إلا"لشفقة عليه ولطف به لا بخلاً عليه ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل ليتأهل لذلك ولغيره"((٢))، ويلقي إليه المعلم"الجلي اللائق به ولا يذكر له وراء هذا تدقيقاً وهو يدخره عن فإنه يفتر رغبته في الجلي ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل إذ يظن كل أحد أنه أهل علمٍ دقيق"((٣))، ومما لا ريب فيه أن معرفة طبيعة المتعلمين تتطلب مهارات معينة ومعايير معينة أيضاً في عصر لم تتوافر فيه الروائز والاختبارات وغيرها من الأمور المعدة لكشف الفروق الفردية بين المتعلمين، لذلك نرى الماوردي يطلب من المعلم أن يكون"ذا فراسة يتوسم المتعلمين بهذه الصفة، وكان بقدر استحقاقهم خبيراً، لم يضع له عناء ولم يخب على يديه صاحب، وإن لم يتوسهم، وخفيت عليهم أحوالهم، ومبلغ استحقاقهم، كانوا وإياه في عناء نكد وتعب غير مجد، لأنه لا لعدم أن يكون فيهم ذكي محتاج إلى الزيادة، وبليد يكتفي بالقليل فيضجر الذكي فيه، ويعجز البليد عنه ومن يرد أصحابه بين عجز وضجر ملوه وملهم"((٤))، ولذلك فإن المعلم حين يعرف طبيعة المتعلم ويعرف استعداداته وقدراته فإنه يطالبه أن يثبت"في الأخذ ولا يكثر، بل يأخذ قليلاً، حسب ما يحتمله حفظه أو يقرب من فهمه"((٥)).

(١) - ابن جماعة: المرجع نفسه، ص٥١.
(٢) - ابن جماعة: المرجع نفسه، ص٥١-٥٢.
(٣) - الغزالي: إحياء علوم الدين، ج١، ص٥٨.
(٤) - أبو الحسن الماوردي: أدب الدنيا والدين، ط(د. ت)، دار الكتب العلمية، بيروت، ج٥، ص٨٩-٩٠.
(٥) - الخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقه، ص١٠١.


الصفحة التالية
Icon