ومن عجيب ما يرويه أصحاب الصحاح عند نزول قوله تعالى: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(١)أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - ﷺ - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قام أبو طلحة إلى رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله - ﷺ -: بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (٢).
فهذه النماذج ـ وغيرها لا يعد ولا يحصى ـ تبين جليا أن القرآن الكريم كان له الأثر الإيماني الأكبر في حياة الجيل الأول الذي عاصر الوحي وشاهد التنزيل، ولم يزل هذا التأثر قائما في كل جيل بما يورثه الإيمان والاعتزاز بأنه على الحق وأن الدين الذي يتبعه هو الدين الصحيح.
المبحث الثالث: أهمية حلقات التحفيظ والآثار الإيمانية لها..
المطلب الأول: العناية بحلقات التحفيظ:

(١) سورة آل عمران الآية رقم ( ٩٢ ).
(٢) متفق عليه. رواه البخاري كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب وقال. انظر صحيح البخاري ( ٢/ ٥٣٠ )، ورواه مسلم كتاب، برقم ( ٩٨٨ ). انظر صحيح مسلم ( ٢/ ٦٩٣ ).


الصفحة التالية
Icon