ثم قال السعدي رحمه الله:( ٤وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )؛ وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر؛ كالشرك بالله والقتل بغير حق والزنا والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش، ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية تتعلق بحق الله تعالى، وبالبغي: كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض، فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق شيء إلا دخل فيها، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات، فكل مسألة مشتملة على عدل أو إحسان أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه وبها يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى عنه (١).
المطلب الخامس: أثر حلقات التحفيظ على الفرد والأسرة والمجتمع.
لا يخفى على الآباء أن أبناءهم يتغيرون يوما بعد يوم ـ في حلقات التحفيظ ـ ويتحولون إلى الأخلاق الفاضلة التي يحملونها من كتاب الله، مما يؤثر إيجابا على حياة الجميع، فالمجتمع معظمه ـ بكتاب الله ـ مشغول؛ إما بالاستعداد لحفظ القرآن الكريم وإما مشغول بالإعداد للحافظين، أو مشغول بتعليم كتاب الله وكشف ما أودع الله فيه من كنوز للطالبين.
وسأذكر في هذه العجالة بعض الأمور التي تبين الأثر الإيماني لحلقات تحفيظ القرآن الكريم على المجتمع بأسره:
أولا: في الإيمان بالله؛ تجد أهل القرآن يعرفون الله حق المعرفة فيخلصون عبادتهم كلها له سبحانه وتعالى، وتراهم يخشون الله في السر والعلن، فلا يَقْدُمُون على عمل أو قول حتى يعرضونه على ربهم هل يرضاه أم يسخطه، فهم يعبدون الله كأنهم يرونه ويعلمون أنه يراهم في سكناتهم وحركاتهم.

(١) انظر تفسير السعدي ( ١/ ٤٤٧ ).


الصفحة التالية
Icon