ثم قال القرطبي ـ قلت ـ لا سيما وإن أشعر نفسه أن هذا ربما يكون آخر عمله، وهذا أبلغ في المقصود، وأتم في المراد، فإنّ الموت ليس له سن محدود، ولا زمن مخصوص، ولا مرض معلوم وهذا مما لا خلاف فيه. وروي عن بعض السلف: أنه كان إذا قام إلى الصلاة ارتعد واصفر لونه، فكُلم في ذلك فقال: إني واقف بين يدي الله تعالى، وحق لي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك؟ فهذه صلاة تنهى ـ ولا بد ـ عن الفحشاء والمنكر.(١)
الأثر التربوي والأخلاقي في آيات الزكاة
١ـ طيب المخرج منها
يربي القرآن الكريم المتصدق على خلق راقٍ، بأن ينتقي من ماله أجوده وأحبه، وأجله وأطيبه؛ فإنه يقع في يد الله عز وجل قبل أن يقع في يد السائل (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد) (٢)
وفي سبب نزول هذه الآية روى الطبري بسنده عن البراء - رضي الله عنه - (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) قال: نزلت فينا كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته، فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصُفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه، فسقط منه البسر والتمر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه فنزلت (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) قال: لو أنّ أحدكم أهدى له مثل ما أعطي، ما أخذه إلا على إغماض وحياء، فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده.(٣)
(٢) ٢- سورة البقرة ٢٦٧، ٢٦٨
(٣) ١- أخرجه ابن جرير وابن ماجه ١٨٢٢ وابن مردويه والحاكم في مستدركه ٢٢٨٥ عن البراء وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.