فيأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، سواء كانت من التجارة أومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض، فينتقي من هذه الأشياء أجودها وأطيبها (ولا تيمموا الخبيث) لا تقصدوا الخبيث سواء كان دنيئًا رديئًا أو كان حرامًا فإنّ الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
ومن التطبيق العملي لهذه الآية ما رواه الإمام أحمد بسنده عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: أتى رسول الله - ﷺ - بضب فلم يأكله ولم ينه عنه، قلت يا رسول الله: نطعمه المساكين ؟قال: لا تطعموهم مما لا تأكلون(١)
ولهذا قال (ولستم بآخذيه) أي: لو أعطيتموه ما أخذتموه إلا أن تتغاضوا فيه، فالله أغنى عنكم، فلا تجعلوا لله ما تكرهون.
فهذا من سوء الأدب مع الله أن يمسك الجيد لنفسه أو لأهله ولو فعل هذا بضيفه وقدم له ما يخرجه من رديء ماله لأوغر صدره.
روى ابن جرير بسنده عن البراء - رضي الله عنه - في قوله (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) يقول: لو كان لرجل على رجل فأعطاه ذلك لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) يقول: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقضوه قال فذلك قوله (إلا أن تغمضوا فيه) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم ؟ وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه(٢)
حفظ الصدقة من المن والأذى
كما ربّى القرآن الكريم متعلمه على تجرد الصدقة من المنّ والأذى قال تعالى (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) (٣)
(قول معروف) كلمة طيبة ودعاء لمسلم (ومغفرة) أي عفو عن ظلم قولي أو فعلي (خير من صدقة يتبعها أذى) والفرق بين المن والأذى

(١) ٢- الإمام أحمد، المسند رقم ٦١٠٥
(٢) ١- ابن جرير، جامع البيان ٣/ ٨٤
(٣) ٢- سورة البقرة آية ٢٦٣


الصفحة التالية
Icon