قال القرطبي: المشهور أنه يترك له كسوته المعتادة ما لم يكن فيها فضل، ولا ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزريا به، وفي ترك كسوة زوجته وفي بيع كتبه إن كان عالما خلاف، ولا يترك له مسكن ولا خادم ولا ثوب جمعة ما لم تقل قيمتها، وعند هذا يحرم حبسه (١) وهذا لأن حقوق الناس قائمة على المشاحة.
روى الأئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - ﷺ - في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله - ﷺ -: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله - ﷺ - لغرمائه "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك" (٢)
وفي رواية أبي داود: فلم يزد رسول الله - ﷺ - غرماءه على أن خلع لهم ماله.
وهنا تبرز الجوانب الأخلاقية في إعساره فبدأ معه بخُلُقين يرتقى عليهما صاحب الأخلاق الفاضلة
الخلق الأول: (فنظرة إلى ميسرة)
روى الإمام أحمد بسنده عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة. قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثليه صدقة. قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: - ﷺ - له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة. (٣)
الخلق الثاني: (وأن تصدقوا خير لكم)
ندب الله تعالى بهذه الكلمات إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيرًا من إنظاره قاله السدي وابن زيد والضحاك

(١) ١- القرطبي، السابق
(٢) ٢- أخرجه الإمام مسلم، الصحيح كتاب: المساقاة باب: استحباب الوضع من الدين ٣/١١٩١ رقم ١٥٥٦
(٣) ٣- الإمام أحمد، المسند ٥/٣٦٠ رقم ٢٣٠٩٦ والحاكم في المستدرك ٢/٢٤ رقم ٢٢٢٥ وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.


الصفحة التالية
Icon