والهدف الأسمى والغاية العليا من حفظ كتاب الله وتعلمه، أن نتخلق به سلوكًا وعملاً، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه - ﷺ - فقالت مرة: (كان خُلقه القرآن، يغضب لغضبه ويرضى لرضاه) (١) وسئلت ثانية فقرأت (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات (٢) ولم يُذكر خُلق حَسَن إلا وكان للنبي - ﷺ - منه الحظ الأوفر. ومن جوانب إعجاز القرآن الكريم أن تلقى الجوانبُ التربوية والأخلاقية رعايتها الكاملة في وسط تقريره لآيات تشريع الأحكام (أوَ لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون)(٣)
وحافظ القرآن الكريم والعامل به قد تهذب بآداب عليا، وأخلاق مثلى، تظهر هذه الآثار في نحو قوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (٤) وقد تدرب حامله ومتعلمه على نماذج عملية رفيعة.
فمثلاّ: ١ـ يربّي القرآن الكريم صاحب الدّين وهو يترصد غريمه المعوز بمبدأ أخلاقي (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ثم يرتقي معه إلى ما هو أسمى (وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) (٥)
٢ـ كما يدرب القرآن متعلمه على خلق العفو، ففي وسط لهيب التنازع بين الزوجين لتقرير أحكام الطلاق تجد من الخلق ما يطفئ هذه النار بمبدأ العفو (وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) (٦)
أيّ قانون أرضي يستطيع أن ينازع القرآن الكريمَ في سموّه، يذكّر بالتربية والأخلاق مع تقريره للأحكام ؟ نبؤني بعلم؟

(١) ١- الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٦/٩١، ١٦٣، ٢١٦ عن السيدة عائشة رضي الله عنها ورواه الطبراني في الأوسط ١/٣٠ حديث رقم ٧٢
(٢) ٢ - سورة المؤمنون آية ١: ١٠
(٣) ٣- سورة العنكبوت آية٥١
(٤) ٤- سورة فصلت آية ٣٤، ٣٥
(٥) ٥- سورة البقرة آية ٢٨٠
(٦) ٦- سورة البقرة آية ٢٣٧


الصفحة التالية
Icon