فسوف يكون الجواب: إنّه القرآن الكريمُ، يدمج الأحكامَ بالأخلاق، بحيث يعجز البشر عن الإتيان بمثل ذلك. ويدور بحثنا هذا حول ملاحظة اقتران الجوانب التشريعية في القرآن الكريم بالجوانب التربوية والأخلاقية بما يساهم في الرقي بأخلاق أبناء المجتمع في جوانب الحياة المختلفة.
إذ لا يكتمل إسلام المرء إلا بامتزاج التشريعات بالأخلاق، كامتزاج الروح بالجسد، فلا يُكتفى بالعقيدة والعبادة وتهجر التربية والأخلاق، وقد جمع الله - عز وجل - كل ذلك في قوله تعالى (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(١)
وإنّ بين التشريعات وبين الجوانب الأخلاقية والتربوية من تعاضد وتكاتف كما بين لحمة النسيج وسداه، لا يتم الفصل بينها، فإنّ المسلم الحق هو الذي ملأت أخلاقه جميعَ جوانب حياته في عقيدته وعبادته ومعاملاته.
ولنتأمل في ذلك قوله تعالى(الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون) (٢)
فمع أنّ الصلاة قرينة الزكاة في أغلب آيات القرآن، لكن في هذا الموطن لما كانت السورة تحمل في اسمها (المؤمنون) ـ أسمى ما يتصف به المرء ـ فقد مزجت التشريعَ بالأخلاق، فأتبعت الصلاةَ بخُلق الإعراض عن اللغو، كما أتبعت الزكاةَ بخُلق حفظ الفروج.
من هذا المنطلق وجب على حامل القرآن محفظًا أو طالبًا أن يتدبر في كلامه عز وجل، حتى يكون نموذجًا يحتذى، وخليفة لله في أرضه، عفّ اللسان، طاهر اليد، نظيف القلب.

(١) ١- سورة البقرة آية ١١٢
(٢) ٢ - سورة المؤمنون الآيات ٢: ٤


الصفحة التالية
Icon