وليست هذه الآية من المنسوخ كما زعم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم(١)
وذلك لأنّ الأمر بقتال الأعداء أينما وجدوا مقيد بقوله (الذين يقاتلونكم) فإذا لم يقاتلونا ولم يعتدوا فلا سبيل لنا عليهم، ولذا قال الحافظ ابن كثير ـ تعقيبًا على من قال إنها منسوخة ـ وفي هذا نظر لأنّ قوله (الذين يقاتلونكم) إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله أي: كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم كما قال (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) ولهذا قال في هذه الآية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم، وعلى إخراجهم من بلادكم التي أخرجوكم منها قصاصا أ. هـ (٢)
ثانيًا: تمكين المشرك من سماع كلام الله
من الأخلاق الرفيعة التي ربى عليها القرآن المسلمين أن يأتيك المشرك قاصدًا معرفة شريعة الإسلام، فتمكنه من ذلك، ولا يتم ذلك إلا إذا كان آمنًا على نفسه غير خائف، شبعانًا غير جائع، فإذا أسلم وسعته قلوب المسلمين قبل بلادهم (فإخوانكم في الدين)(٣) ـ والأعظم من ذلك في هذه التربية القرآنية ـ أنه إذا أراد عدم الإسلام والبقاء على شركه، أن يعود إلى أهله آمنًا.
قال تعالى في آية تكتب بمداد من الذهب: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) (٤)

(١) ٣- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله - ﷺ - يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة حتى قال إنها منسوخة بقوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٢٧
(٢) ٤- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ١/٢٢٧
(٣) ١- سورة التوبة آية ١١
(٤) ٢- سورة التوبة آية ٦


الصفحة التالية
Icon